دينا محمود (لندن)
في الوقت الذي تزعم فيه قطر إجراء إصلاحاتٍ في نظام العمل ما يقلص من حجم الانتهاكات الواسعة التي تتعرض لها العمالة الأجنبية في أراضيها، كشفت صحيفة «الجارديان» البريطانية النقاب عن أن الممارسات الاستغلالية التي تحدث بحق هذه الفئة لا تقتصر فقط على عمال البناء والإنشاءات، كما كان يُعتقد من قبل، وإنما تمتد إلى مجالاتٍ أخرى.
وقالت الصحيفة واسعة الانتشار، إن ما رصدته في هذا الإطار يمثل إماطة للثام للمرة الأولى على الإطلاق عن «أن الاستغلال الموثق لعمال البناء (في قطر) يشمل أيضاً قطاع الضيافة» الذي يحاول «نظام الحمدين» الترويج له دولياً قبيل الاستضافة المقررة لبطولة كأس العالم لكرة القدم المقررة في أواخر عام 2022.
وشددت «الجارديان» على أن انتشار ممارسات «العمل القسري» في مختلف القطاعات في قطر، يؤكد زيف ما أعلنه «نظام الحمدين» من أنه بدأ في تطبيق إصلاحاتٍ فعليةٍ تستهدف حماية حقوق العمالة الوافدة، ويتطلب في الوقت نفسه بحث إمكانية إجراء تحقيقاتٍ دوليةٍ في هذا الشأن.
وفي تحقيقٍ من الدوحة أعده بيت باتيسُن، أشارت الصحيفة البريطانية إلى أن الانتهاكات التي تحدث لحقوق عمال الفنادق في الدويلة المعزولة، تشمل «منحهم رواتب تقل عن الحد الأدنى للأجور» المنصوص عليه في قوانين العمل التي يُفترض أنها ساريةٌ في قطر نفسها، بجانب إجبارهم على العمل لساعاتٍ طويلة في ظل حرارة الشمس الحارقة التي تسود هذا البلد خاصةً في فصل الصيف.
وأفاد التحقيق بأن الاستخلاصات التي توصل إليها حول الإجحاف الشديد الذي يُمارس بحق العمال الأجانب في قطاع الفندقة القطري، تستند إلى مقابلاتٍ أجرتها الصحيفة البريطانية مع نحو 20 من هؤلاء العمال، ممن رفضت «الجارديان» الكشف عن جنسياتهم أو أسمائهم خشية تعرضهم لتدابير انتقامية من جانب أرباب عملهم القطريين.
وقالت «الجارديان»، إن من يعملون من المهاجرين في هذا المجال، قَدِموا من بقاعٍ فقيرةٍ للغاية في العالم، مُشيرةً إلى أن هؤلاء يُجبرون - على الرغم من ذلك - على دفع رسوم توظيفٍ باهظة تفوق في بعض الأحيان أربعة آلاف دولار.
وشددت على أن إرغام العمالة المهاجرة على تسديد تلك الرسوم «ممارسة منتشرة على نطاقٍ واسعٍ»، ويؤدي إلى جعل العمال الأجانب في قطر «عرضةً لأن تستعبدهم الديون والعمل القسري».
وزار معد التقرير فندقاً فاخراً في العاصمة القطرية؛ قال إن مظهره المترف الباذخ لا يشي بما يقاسيه العمال في أروقته من معاناةٍ وانتهاكاتٍ، فبينما يبدو المكان الذي يمتد على ساحل الخليج «مُشابهاً للقصور في القصص الخيالية.. وتتراص في مرآبه سياراتٌ من طرزٍ مثل فيراري ورولزرويس.. وتفوق قيمة الإقامة في الجناح الملكي فيه 12 ألف جنيه إسترليني (أكثر من 15.13 ألف دولار) لليلة الواحدة.. تبدو الحياة مختلفةً تماماً بالنسبة للرجال والسيدات الذين يحرسون السيارات وينظفون الغرف ويشذبون الأعشاب والمساحات الخضراء».
ومن بين أوجه الاستغلال التي رصدتها «الجارديان» لعمال هذا الفندق - الذي يشكل مقصداً للنخبة في قطر منذ افتتاحه عام 2015 - إجبار حراسه على العمل في نوباتٍ تستمر الواحدة منها 12 ساعة في العراء وفي ظل درجات حرارةٍ قد تصل إلى 45 درجة مئويةٍ، دون أن يتجاوز ما يتقاضونه سوى أكثر قليلاً من 10 دولارات، وهو ما يساوي ثمن مشروبٍ واحدٍ من العصير الطازج في الفندق نفسه.
ونقلت الصحيفة عن بعض عمال الفندق قولهم، إن عدداً منهم سبق أن عَمِلَ لثلاثة أو أربعة أشهرٍ كاملةٍ، دون أخذ يومٍ واحدٍ راحة. ولا تتورع الإدارة في الوقت نفسه عن خصم ما تبلغ قيمته أسبوعاً كاملاً من الراتب الشهري، إذا ما وجدت هؤلاء العمال البؤساء وقد غلبهم النوم بفعل شعورهم بالإجهاد الشديد، جراء حرمانهم من راحاتهم المُستحقة.
وقال أحد هؤلاء العمال لـ «الجارديان»: «هل جربت يوماً أن تظل واقفاً لاثنتي عشرة ساعةً متصلة؟.. (في البداية) كنت أعجز عن السير بشكلٍ طبيعي؛ لأنني كنت قد شعرت بأن مفاصلي قد خُلِعَت من مكانها، ولكنني اضطررت للقيام بذلك في كل الأحوال؛ لأنه كان يتعين عليّ أن استعيد الأموال التي دفعتها للسمسار حتى آتي إلى هنا.. ينتابك شعورٌ وكأنك ضُرِبتَ في رأسك ألف مرة».
ومما يزيد من محنة العاملين في هذا الفندق القطري، كون الغالبية العظمى منهم قد عَمِلوا هناك عبر سماسرة وليس بشكلٍ مباشر، وهو ما يجبرهم على دفع رسوم توظيفٍ باهظةٍ لسماسرة ووسطاء.
ووصف تحقيق «الجارديان» إفادات العمال الأجانب حول ما يكابدونه في هذا المكان بأنها «تحذيرٌ صارخٌ» للسلاسل الدولية للفنادق، التي تبحث مسألة فتح فروعٍ لها في قطر قبل المونديال الكروي المقبل الذي سيُقام بعد أربع سنواتٍ من الآن.
وروى عامل - فضل أن يُطلق على نفسه اسم «رفيق» - قصة الخديعة التي أتت به للعمل في الدويلة المعزولة، بعدما أوهمه الوسيط بأنه سيتقاضى راتباً يصل إلى نحو 350 دولاراً، ما جعله يقتنع بدفع رسومٍ زادت على 4 آلاف دولار، وهو ما يبلغ ثلاثة أضعاف متوسط الدخل السائد في بلده الواقع في جنوب آسيا.
ولكن في المطار، عَلِمَ «رفيق» أن الراتب لا يتجاوز نصف ما وُعِدَ به، وهو ما جاء بعد فوات الأوان - على حد قوله - إذ كان قد تكبد بالفعل أموالاً باهظة لتأمين الذهاب إلى قطر، وكان عليه السعي لتعويض هذه الخسائر بأي شكلٍ من الأشكال.
ويزيد الأمر سوءاً - كما تقول «الجارديان» - في ضوء أن الراتب الذي يتقاضاه هذا الرجل، لا يزال في حدود الـ 164 دولاراً لا أكثر، وهو ما يقل كثيراً عن الحد الأدنى للأجور، الذي أُعْلِنَ عنه بضجيجٍ مُبالغٍ فيه أواخر العام الماضي، ويصل إلى نحو 206 دولارات.
وأكدت الصحيفة البريطانية أن الإعلان عن هذا الحد الأدنى، جاء في إطار إصلاحاتٍ مزعومةٍ قالت السلطات الحاكمة في الدوحة إنها أجرتها. ولكن الهدف الرئيس منها كان يتمثل في تجنب الخضوع لتحقيقٍ أمميٍ بشأن ممارسات «العمل القسري» المنتشرة في قطر.
وأشارت «الجارديان» إلى أنه على الرغم من تراجع منظمة العمل الدولية عن إجراء هذا التحقيق، فإن ما كشف عنه تحقيقها الحصري بشأن انتهاك حقوق العمال الأجانب في «إمارة السخرة»، يعني أن الأمور هناك لا تزال كما كانت عليه من السوء بالنسبة للعمالة الوافدة.
وأبرزت الصحيفة في هذا الصدد كذلك قصة «جيمس»، وهو اسمٌ مستعارٌ آخر لعاملٍ في هذا الفندق القطري الفاخر، كشف عن أن مدة عمله الفعلية كحارس أمن تزيد بنسبة 50% على المدة المتفق عليها في عقده. رغم ذلك، قال «جيمس»، إنه يضطر إلى الرضوخ لذلك الظلم البين لأنه يسعى إلى كسب أي مبلغٍ من المال للحصول على قوت يومه، خاصةً بعد أن دفع نحو 1300 دولار لوسيطٍ في وطنه الأصلي لكي يجلب له عمله الحالي في قطر، وهو مبلغٌ قضى شهوراً طويلةً كي يتمكن من تعويضه.
ولا يتردد هذا العامل البائس في القول: «عندما أتيت إلى هذا (الفندق) بدأت أشعر بالندم على القدوم إلى قطر.. حياتي هنا شديدة الصعوبة للغاية».
وتقول الصحيفة، إن العاملين في مجال الأمن والحراسة في ذلك الفندق الواقع في الدوحة، يرزحون دائماً تحت ضغوطٍ «ناجمةٍ عن الديون المستحقة عليهم وعن رؤسائهم في العمل، أو بسبب العمل في أيام إجازاتهم».
وتشير إلى أن غالبية هؤلاء العمال يحصلون على يوميْ عطلةٍ فقط كل شهر، فيما قال بعضهم إنهم عَمِلوا لشهورٍ طويلةٍ دون أن ينالوا حتى يوماً واحداً، وشدد واحدٌ منهم على أن عدد أيام راحته خلال 19 شهراً لم تتجاوز 15 يوماً.
وخلصت الصحيفة البريطانية البارزة للقول في نهاية تحقيقها، إنه إلى جانب المشكلات الصحية والمالية التي يعانيها العمال المهاجرون في قطر بسبب انتهاك حقوقهم، فإن هناك منهم من يكابدون أزماتٍ نفسيةً ويصيبهم الاكتئاب الشديد كذلك.